https://ashraf-attar.ahlamontada.net
الشيخ صلاح أبو إسماعيل 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا الشيخ صلاح أبو إسماعيل 829894
ادارة المنتدي الشيخ صلاح أبو إسماعيل 103798
https://ashraf-attar.ahlamontada.net
الشيخ صلاح أبو إسماعيل 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا الشيخ صلاح أبو إسماعيل 829894
ادارة المنتدي الشيخ صلاح أبو إسماعيل 103798
https://ashraf-attar.ahlamontada.net
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

https://ashraf-attar.ahlamontada.net

منتدي ديني يشمل كل ما يهم الشباب في امور حياتهم اليومية لكي ينالواالجنة ان شاء الله
 
الرئيسيةالمواضيع الجديدأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الشيخ صلاح أبو إسماعيل

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
اشرف العطار
سبحان الله
سبحان الله
اشرف العطار


العنوان العنوان : الجيزة - جمهورية مصر العربيه
الدوله : مصر
عدد المساهمات : 3926
تاريخ التسجيل : 05/01/2010
المزاج المزاج : الحمــــ لله ـــــد

الشيخ صلاح أبو إسماعيل Empty
مُساهمةموضوع: الشيخ صلاح أبو إسماعيل   الشيخ صلاح أبو إسماعيل Emptyالثلاثاء 02 فبراير 2010, 9:14 pm




الشيخ صلاح أبو إسماعيل




كثيرون جداً أولئك الذين يريدون أن يقرؤوا سيرة هذا الرجل في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، وليس مرد تلك الإرادة إلى آثار علمية كثيرة قدمها إلى أمته أو كشف جديد أضافه إلى حقول المعرفة البشرية، وليس هو واحداً من أولئك الانقلابيين الذين يستولون بالحديد والنار على أزمة شعوبهم، ومن ثم على وسائل إعلامها، فيملئون الدنيا صراخاً بمآثرهم وعجائب عبقرياتهم، ويقرعون الأسماع صباح مساء بالحديث عن مواهبهم التي أحالت الصحارى جناناً، والهزائم انتصارات، والتخلف تقدماً وازدهاراً..

أجل.. لا لشيء من هذا أو ذاك يريد المسلمون المعنيون بشئون دينهم وأحوال أمتهم أن يقفوا على بعض التفاصيل من سيرة هذا الرجل، ولكن لسبب آخر من حقه أن يجتذب أنظارهم وأفكارهم، لأنه بات في أيامهم هذه من التحف النادرة التي قلما يقعون عليها في واقعهم، مع أنها من الخصائص الأولى لهذه الأمة التي ميزها الله بالخيرية، المتمثلة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله.

ولعل معظم هؤلاء الكثيرين قد فوجئوا لأول مرة باسم هذا الرجل يوم ألقى بقذيفته المدوية أمام المحكمة المنعقدة لمحاكمة من يسمونهم " جماعة الجهاد " في القاهرة، فانطلق صداها يتردد في الصحف والإذاعات العالمية، ثم لم يتوقف دويها حتى اليوم.. وحق لهم أن يفاجَئوا، وحق لوسائل الإعلام العالمية أن تردد ذلك الصدى، لأنه كان نذيراً بأنه لا يزال بين علماء الإسلام من يؤثر مرضاة الله على النفس والحياة والمنصب، فيعلن شهادة الحق في أحرج المواقف، يرسلها مجلجلة ناصعة لا تخاف في الله لومة لائم، حفاظاً على قلبه من أن يخالطه الإثم الذي أوعد الله به كاتمي الشهادة..

وإنها لعمر الحق لبطولة تفوق سائر البطولات التي ألف الناس أن يمجدوها ويقيموا لها الأنصاب والمعالم.. وبخاصة بعد أن خرست أصوات الصادقين وطغت ضوضاء المنافقين، وأصبحت فنون البلاء موكلة بالألسن، فهي تتهيب أن تهمس بكلمة الحق خشية أن تقطع أو تنزع..

وبهذه الروح، وبهذه النظرة إلى موقف الرجل في ذلك اليوم التاريخي، قصدت إلى زيارته في داره بحي الدقي من القاهرة، وكان الحوار الذي أفضى إلى هذه الصفحات.

إنه الشيخ صلاح أبو إسماعيل من علماء الأزهر الغالي على قلوب المسلمين، وعضو مجلس الشعب الذي عرفه من أشد المنافحين عن شريعة الله والصادعين بالكلمة التي ترضي الله وتسخط كل عدو له..

يقول إنه ولد في بهرمس ـ مركز إمبابة ـ محافظة الجيزة بمصر، يوم السابع عشر من مارس عام 1927، في بيت معروف بحفاوته بالعلم والعلماء، فجده الأعلى كان إماماً للخديوي إسماعيل، وأنجب ولدين تخرجا في الأزهر، ثم كانا عضوين في مجلس النواب.

فالبيت بيئة وجاهة وعلم ويسار، ويصفه الشيخ بأنه كان منتدى لأهل العلم، يعمرونه بزياراتهم ويعمرون مجالسه بمحاوراتهم ونقاشهم وأسمارهم وفتاواهم، كما كان مرتاداً لذوي الحاجات، يمكثون في مضافته الأيام حتى تقضى مصالحهم. وقد الناس لهذا البيت مودته أثناء الضائقة التي اجتاحته ـ فيما اجتاحت من مصر ـ خلال الثلاثينات، فلا ينجح مرشح في دائرته الانتخابية إلا بتأييد من أهله.

وقد توفي والد الشيخ بعد تخرجه في جامعة القاهرة وهو في ميعة الشباب، وحبست الوالدة نفسها عليه وعلى أخته فحاطتهما بأحسن الرعاية والتربية، فكان لها بهذا وغيره ـ يقول الشيخ ـ أبلغ الأثر في حياتهما.

تلك هي البيئة التي نشأ فيها الشيخ، فلا بد أنها تركت أثرها عميقاً في نفسه وخلقه وسلوكه، فهناك الجو العلمي الذي يواجه من خلاله وجوه كبار العلماء يترددون على ذلك البيت، وهناك " المكتبة الحافلة بنوادر المطبوعات والمخطوطات " وهناك الأفواج من الضيفان تتوافد على شيوخه تلتمس الحلول لمشكلاتها والفصل في خلافاتها، ولا يستبعد أن تستشفع بهم لإنجاز مصالحها لدى الجهات الرسمية عن طريق علاقاتهم بالمقام الخديوي والمجلس النيابي..

والغريب أن يمتد أثر هذا الجو في حياة الشيخ صلاح نفسه إلى حد التكرار لهذه الصور الأخيرة، التي شهدت مثلها في منزله، حيث رأيت أصحاب المصالح يحتلون بهو الاستقبال، فيستمع من هذا إلى قضيته الجديدة، ويراجع ذاك في ما انتهى إليه بشأن مشكلته القديمة، ويتصل من أجل الثالث بالمرجع الحكومي المختص بموضوعه، ولا ينفك خلال ذلك متكلماً بالهاتفين أو مسجلاً في مذكرته اليومية مطالب هؤلاء وأولئك، حتى إذا حان موعد التحرك لمتابعة هذه الحاجات نهض ليقود سيارته وفيها ملؤها من هؤلاء.... ثم لا يزال يجول بهم بين هذه الدائرة وتلك وبين هذا الرئيس وذاك، حتى يستنفدوا إمكاناته وقد نهكه النصب. وأخذ طريقه في زحام السيارات إلى منزله ليتنفس الصعداء، وليستأنف بعد ذلك متاعبه في خدمة المراجعين، الذين لا يرى أحدهم سوى مشكلته وحدها..

ويحدثنا فضيلته عن دراسته فيقول إنه بدأها في مدارس التعليم العام، إذ التحق بمدرسة محمد علي الابتدائية في ميدان السيدة زينب بالقاهرة، ومنها نال الشهادة الأولى، ولكن القدر الحكيم حال دون متابعة المنهج العام هذا، لأن والده وجده قد اتفقا على تحويله إلى الدراسة الأزهرية، حفاظاً على طابع البيت، ورعاية المكتبة العلمية الكبيرة التي لا بد لها من متخصص ينتفع بها وينفع، وهكذا عهدا به إلى مقرئ يحفظه القرآن الكريم، ويلقنه أحكام تجويده. وبذلك أضيف إلى سنيه الدراسية ست سنوات، فقد كان أمامه تسع سنوات أخرى للحصول على المؤهل الجامعي، فارتفعت المدة إلى خمس عشرة سنة في نطاق التعليم الأزهري..

ويصف الشيخ رحلته الدراسية بأنها كانت موفقة بفضل الله ، إذ اجتاز أقسامها الأربعة الابتدائي فالثانوي فالكلية فمعهد التربية العالي للمعلمين، بنجاح مستمر دون توقف، وكان قد أفرز بنهاية امتحان الثانوية العامة إلى كلية دار العلوم، ومع أنها الكلية المفضلة بنظر الطلاب، لما لخريجها من الحظوة لدى وزارة التربية والتعليم. فقد آثر عليها كلية اللغة العربية ـ شعبة الشريعة الإسلامية بالأزهر ـ وفيها تخرج عام 1954 وهو العام الذي واجه فيه الاعتقال للمرة الأولى عقيب الحل الذي فرضه جمال عبد الناصر على جماعة الإخوان المسلمين... وكان لهذا الاعتقال أثره النفسي في نتيجة امتحانه للشهادة العالية بعد ذلك، فلم يتجاوز درجة " مقبول " وهو الذي لم ينزل عن مستوى التفوق طوال حياته الدراسية، وبهذا حيل دون قبوله في الدراسات العليا، فاضطر إلى التحول لكلية التربية للمعلمين، حيث حصل على الأولية في دبلومها العالي للتربية وعلم النفس ومن ثم عين مدرساً للدين والعربية في مدارس المتفوقين والمدارس النموذجية. وقد أحب علمه فلم يفكر بتغييره قط. إلا أن اشتعال الجو الإرهابي الناصري في منتصف الستينات على الإخوان المسلمين اضطره إلى قبول عرض بالنقلة من التدريس إلى أن يكون مديراً لمكتب شيخ الأزهر.

ويذكر الشيخ من الأحداث التي رافقت رحلته الدراسية، أثر الأزمة التي مرت بها بلاده أثناء الثلاثينات كما أسلفنا، فقد كان نصيب بيتهم منها أن ذهبت بالأخضر واليابس من ممتلكاتهم، وأبهظت كواهلهم بالديون الفادحة، ولكن شاء الله أن يحدث له مورداً من الرزق الحلال في هذه الغمرة من العسر، وذلك حين اكتشف في نفسه، أو اكتشف فيه آخرون، ذاك الصوت الرخيم الذي يصلح لترتيل كتاب الله ، فإذا هو واحد من مقرئي الإذاعة المشهورين.. ومن هذا الباب تدفقت عليه نعم الله بوفرة كادت تشغله عن مواصلة دراسته، وهو المكب عليها بكل طاقته. إلا أنه استطاع أخيراً التوفيق بين الدراسة والحاجة، فاكتفى من حصص الإذاعة بما يساعده على المضي في سبيله.

وسألنا فضيلته عن آثاره العلمية سواء منها ما كان منشوراً أو معداً للنشر أو في حيز المشروعات المتوقعة.. فكان جوابه:

" إن العمل الذي بدأت به في نطاق التعليم عقيب التخرج، مضافاً إليه تبعات الدعوة في المحافل والمساجد ووسائل الإعلام، كل ذلك قد استأثر بوقته فلم يستطع التفرغ لسواه إلا قليلاً، ومن خلال هذا القليل أقدرني الله على الكتابات التالية:

1 ـ حلقات إذاعية في تفسير القرآن العظيم لتلفاز " أبي ظبي " وقد وصلت حتى الآن إلى آخر سورة الحجر وأول سورة النحل، وبلغ رقمها نهاية المئة الخامسة..

2 ـ تفسير سورة يوسف في ثلاثين حلقة لتلفاز دولة البحرين.

3 ـ مئات الحلقات لتلفاز قطر في إطار البرامج الدينية.

4 ـ عشرات المشاركات في الحلقات الدينية لتلفاز سلطنة عمان.

5 ـ ثلاثين حلقة في التفسير لتلفاز المملكة العربية السعودية، وقد أهديت إلى مؤسسات التلفزة في دول الخليج " المصحف المفسر" .

6 ـ موضوعات متعددة سجلتها لإذاعة الكويت على نحو فريد، انتظم كل منها ثلاثين حلقة، أحدها بعنوان " أسلوب الإسلام في بناء الإنسان " وآخر باسم " العدل في الإسلام " ثم " الإسلام والقتال " و " اليهود في القرآن " وقد أخبرني معالي الشيخ يوسف جاسم الحجي أن " جمعية الشيخ عبد الله " التي يراسلها قد تولت طباعة حلقات هذا الموضوع..

هذا بالنسبة إلى وسائل الإعلام المسموعة والمرئية. أما في ميدان الصحافة فقد أسهمت بنصيب كبير من الكتابات في نطاق الدفاع عن الإسلام وإبراز حقائقه، من ذلك ردودي على أحمد حسن الزيات وتوفيق الحكيم وعبد الرحمن الشرقاوي.. وشاركت طوال سنين في مجلة " لواء الإسلام " سواء في ندوتها الشهرية أو مقالاتها الدورية.. وكذلك المحاضرات فقد قدر الله لي فيها حظاً غير قليل ألقيت كثيراً منها في مصر، وبعضها في السودان وقطر والبحرين والإمارات والكويت، ثم في الهند وإندونيسية وسنغافورة، ثم في إنجلترة وأمريكة، وقد أكرم الله كلمتي بالقبول، وأن تكون سبباً في هداية خلق كثير إلى نور الإسلام..

يقول أبو غسان: لا جرم أن قارئاً لم يطلع على آثار الشيخ التي يشير إليها سيستغرب وفرتها، ولكنه لو اطلع على شهادته المرتجلة في قضية الجهاد، وقد استغرقت أكثر من إحدى عشرة ساعة على امتداد جلستين، ثم ردوده المتلاحقة على تقرير لجنة الأزهر الذي ملأ خمسين صفحة فولسكاب حول هذه الشهادة على الرغم من أعبائه التي تحاصره من كل صوب، والتي تنوء بها العصبة أولو القوة، أقول: لو اطلع القارئ على هذا كله لزال اسغرابه، ولاستيقن أنه تلقاء رجل معان من قبل الله ، والله يؤتي فضله من يشاء..

وأما من حيث التأليف فيقول الشيخ: إن لدي أصولاً لخمسة عشر كتاباً تنتظر مني التفرغ الكافي لإخراجها، وإنما يحول دون ذلك مشاغلي في متطلبات المهمة الانتخابية، فالدفاع عن حقوق الله في المجلس التشريعي، ثم العمل لمصالح الناخبين في المكاتب الرسمية، كل ذلك يقيدني عن ذلك التفرغ المنشود، ولعل الله يسهل الطريق إلى ذلك فهو الذي يخلق ما يشاء ويختار.

ويتم الشيخ حديثه في موضوع الإذاعة والتأليف فيقول: ومما هو جدير بالذكر أن الإعلام المصري الذي قدمت من خلاله الكثير من الأعمال الدينية في الإذاعة والتلفاز على مدى سنين، قد أدار لي ظهر المجن منذ دخلت مجلس الشعب، وارتفع صوتي بالدعوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، فقد صدرت الأوامر بمنع التعامل معي في الإعلام المصري منذ العام 1978، بل إن التلفاز المصري لا يسمح أن أشارك في أي لأي دولة ترتبط معه باتفاق إعلامي.. ولكن رحمة الله لا تنتظر أوامرهم وأصبحت تلك الدول هي التي تطلبني مباشرة، وذلك الفضل من الله ، وما كان عطاء ربك محظوراً..

وسرعان ما ردتني هذه الكلمات إلى حديث كتبه المغفور له الإمام محمد أبو زهرة ذات يوم، وفيه يقول:إن بعض الفضلاء قد سأل مدير التلفاز المصري عن السبب في استبعاد أبي زهرة عنه ، فكان جوابه: لأني لا أستريح إليه !.. وما كان أبلغ رد الإمام على ذلك الجواب العجيب حين قال:.. لقد نسي هذا المدير أن تلفاز مصر ليس ملكاً له ولا هو غرفة من منزله ليستقبل فيها من يشاء ويقصي عنها من يشاء.

وأقول: إن في رد الإمام أبي زهرة رحمه الله منطقاً لا يفقهه أولو الأهواء..

وعن أهم الأحداث التي عاصرها وتأثر بها فضيلته، وأبعد الرجال أثراً في تكوينه الفكري، تأتي إجابته تصويراً للواقع المأسوي الذي عايشه، وتحليلاً للعوامل التي ساقت إلى الأحداث المسئول عنها.

يقول: إن من أهم الأحداث تأثيراً في نفسه وتفكيره ما يراه من شعارات إسلامية ترفعها بعض الدول في حين ترى واقعاً حافلاً بشتى المتناقضات لتلك الشعارات، والمفكر الذي سبق أن وثق بتلك المبادئ سرعان ما يعتريه التمزق النفسي عندما تفاجئه أجهزة الدولة بالحساب العسير على التزامه إياها وبذلك يدرك الحقيقة وهي أنه يعيش في وجود مزيف لا صلة بين مقدماته وعواقبه، فينتهي إلى أحد الأمرين.. إما أن يتعامل مع الشعارات الجميلة على حذر فينال نصيبه الحتم من البلاء, وإما أن يكون تعامله مع الواقع القبيح على علاته فيتخلى عن مقتضيات إيمانه، وأحلى الأمرين مر..

ومن هذه المقدمة الفكرية ينطلق الشيخ إلى الكلام عن صلته بالإخوان المسلمين، والأحداث التي واجهتها الجماعة على أيدي الطغيان، الذي هو قمة ذلك التناقض.

لقد عرف الطريق إلى مركز الجماعة من أيام الدراسة الابتدائية، إذ كان مسكن أسرته في الحلمية بنفس الحي الذي يقوم فيه المركز، وقد اجتذبته أحاديث المرشد العام الأستاذ حسن البنا، فثابر على حضورها مساء كل ثلاثاء، دون أن يسجل انتماءه إلى الجماعة، على الرغم من وثيق ارتباطه بأفكارها وتقديره لإمامها، وإنما منعه من ذلك ـ فيما يقول ـ نسبته الأزهرية، التي كانت تلقي في روعه أن الأزهر هو المرشح أبداً لإمامة الدعوة، فليس لمثله أن ينحاز إلى سواه من المؤسسات العاملة للإسلام... وهكذا ظل منقسم الرأي بين الأزهر والإخوان، فهو في أعماق مشاعره إخواني، ومن حيث الانتماء أزهري.. وقد استمر في هذا التنازع حتى وقع القدر باستشهاد الإمام البنا واحتجاب الجماعة رسمياً عن الساحة، ثم جاء دور البلاء فكان النكال الرهيب الذي صب على أقطابها وشبابها، ولا سيما أولئك الأبطال الذين خاضوا ملاحم الجهاد للدفاع عن الأرض المقدسة، ويقول الشيخ: لقد رأيت من ذلك ما يثير الدهشة ويحير الألباب، إذ كيف يلقي مستحقو التكريم مثل هذا العذاب الأليم !. وأدركت باقتناع تام أن وراء المحن أعداء الإسلام وخالب الاستعمار، الذي لم يزل جاثماً على صدر الكنانة.

ويتابع الشيخ: لقد كان لتلك الأحداث الشاذة أثر بعيد في إعداد النفوس لقبول ثورة الضباط عام 1952، فلما استوت على سوقها، وقضت على جميع الأحزاب السياسية، إلا أن جماعة الإخوان الذين فسحت لهم مجال الدعوة إلى نشاطهم، بادرت إلى تجديد اتصالي بهم وفي صدري أمل قوي بأن العهد الجديد سيفضي حتماً إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، وتحقيق المجتمع المثالي الذي يحلم به الإخوان، وذات مساء، وفي أعقاب الحديث الأسبوعي، أعلن عن حديث خاص للمرحوم الدكتور عبد القادر عودة وكيل الجماعة آنذاك يلقيه يوم الخميس في المركز العام.. وحضرت ذلك الاجتماع وكان تقديري السابق أن الدكتور عودة كاتب ومفكر أكثر منه متحدثاً، ومع ذلك فقد استهواني حديثه ذاك وترك في نفسي من التأثير ما جعلني أعتقد أن تغيير الفكر أساس لتغيير السلوك.. وكان مما قاله يومئذ:

" نحن في بلد يحكمه نظام دستوري، أساسه سلطة الأغلبية، فإذا استطعنا أن نحشد الأكثرية تحت شعار " لا حكم إلا بالقرآن " فذلك هو السبيل الدستوري لتطبيق الشريعة الإسلامية...".

بهذه الكلمات الموجزات تحققت أن الأزهر يعلم ويفقه وينشر دعاته ووعاظه وخطباءه في كل مكان، ولكنه لا يهتم بمبدأ تجميع الأغلبية للمناداة بالمطلب الواحد الذي هو تطبيق النظام الإسلامي الحاكم، على حين يصب الإخوان الرأي العام في قوالب دستورية أخذاً بالأسباب الموصلة إلى ذلك الهدف، دون التفات إلى أهواء الناس، بل التزاماً بقول الله تعالى: [إنما كان قول المؤمنون إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون]سورة النور51.

في هذه الليلة فقط أحسست أن ما مضى من عمر اتصالي بجماعة الإخوان المسلمين لم أكن فيه إلا سلبياً أسمع ولا أرى داعياً للانتماء إلى هذه الجماعة، على الرغم من إعجابي الكبير بروحانية الإمام الشهيد أما الآن فقد تحولت طاقتي كلها للعمل على دعوة الناس للانتظام في سلك الجماعة. ووفقني الله فأحدثت في مركز إمبابة الجيزة أكثر من عشرين شعبة، وانتخبني إخواني رئيساً بمركز الجهاد بهرمس، واختارني إخواني في كلية اللغة العربية بالأزهر مسئولاً عن نشاط الجماعة فيها..

ثم يقول فضيلة الشيخ: في هذا الجو المواتي لمسيرة الدعوة انفجرت صاعقة جمال عبد الناصر في صفوف الجماعة.. وكأنه قد فرغ لهم بعد تخلص من الأحزاب الأخرى، فسلط علهم ضروب الإرهاب فملأ بهم السجون والمعتقلات، ووكل بهم عيونه وأجهزته في كل موقع، ثم لم يكتف بهذا فأصدر قراره بمنع المعتقلين، منذ يوليو 1952 إلى يوم صدور دستوره، من ترشيح أنفسهم لعضوية السلطة التشريعية، ثم عزل من لم يشمله الاعتقال عن طريق اللجان المكلفة فحص طلبات الترشيح.. وبذلك عزله مرتين أولاهما بالقانون والثانية بأساليب المباحث. وقد ترتب على ذلك شطب اسمي من دفاتر الناخبين في بلدتي وعزلي سياسياً، وكل ذنبي أني أنادي بتطبيق شريعة الله !. وقد زعمت مباحث الطاغية أنها لا تحارب الإخوان كدعوة بل كتنظيم، والواقع أنها إنما تحاربهم تنظيماً ودعوة، ولا أدل على ذلك من أن تطبيق الشريعة ظل أملاً يراود الجماهير حتى الساعة دون أن تستجيب له هذه الثورة، التي ما زالت تتجربه وتدأب في تقويضه ومطاردة دعاته. وحسبنا أن نتذكر أنها ضربت الإخوان عام 54 وضربت القضاء الشرعي عام 56 ودمرت الأزهر باسم تطويره عام 61 واغتصبت أوقاف الأزهر ومساجده عندما قررت التحول الاشتراكي، ثم ضربت الإخوان أخيراً تزلقاً إلى روسية بقرار أصدره الطاغوت من موسكو عام 65 يقضي باعتقال كل من سبق احتجازه من الإخوان، ثم ضربت كل تجمع إسلامي بعد ذلك تحت مختلف العناوين والشعارات، ومن ثم قبضت يدها فمنعت رواتب العاملين في بعض المعاهد الأزهرية، ولم تبن معهداً أزهرياً واحداً، بل ولم ترع ما بناه الشعب من مئات المعاهد الدينية، اللهم إلا على طريقة ذر الرماد في العيون.

وتتلاحق ذكريات الشيخ دون ترتيب حتى تطل به على تجاربه النفسية في المعتقل الأول الذي واجهه سنة 1954 عقيب حل جماعة الإخوان..

لقد تداولته سجون إمبابة بمحافظة الجيزة والسجن الحربي وغياهب العامرية.. فأحدث كل منها في نفسه جراحات لا تندمل، وكان أكبر ما يعانيه منها ذكر والدته وشقيقته اللتين لبثتا وحيدتين في المنزل، حتى أدركه الله ببعض العزاء حين قيض له أحد الحرس الطيبين ينقل إليهما بعض رسائله المختلسة، تذكرهما بما لقيه أولو العزم من الرسل، وما عاناه إمامهم، صلوات الله وسلامه عليه وعليهم، في شعب أبي طالب وما تحمله من عدوان السفهاء، وما سبق ذلك من المحن التي ابتلي بها يوسف منذ قذف في الجب، حتى سنوات السجن السبع.. رجاء أن تسري عنهما من وحشة الوحدة وثقل الفراق.. ومع ذلك فقد وقع ما كان يحذر، إذ أصيبت الوالدة بمرض السكر الذي ما زال يتفاقم بها لقيت وجه ربها.. على أن رحمة الله لم تتخل عنه قط ، فعلى الرغم من نعومة النشأة التي اكتنفته معظم حياته، قد استطاع أخيراً أن يروض نفسه على قبول الواقع تأسياً بما يراه من عظيم البلاء ، الذي يواجهه إخوانه على أيدي مخلوقين ينتسبون بهويتهم إلى الإسلام وهو منهم براء، واهتداءً بمضمون الحديث النبوي القائل " أشد الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل " ثم هبت عليه وعلى إخوانه النفحات الإلهية فأحالت ظلمات السجن في معتقل العامرية نوعاً من رياض الجنة.. إذ كان في ذلك السجن ما يزيد على الألف من قادة الجماعة، فما لبثوا أن نظموا للمعتقلين برامج ثقافية ملأت فراغهم ووفرت لهم زاداً كريماً من الثقافة الإسلامية، عن طريق محاضرات يلقيها منهم متخصصون في مختلف الفنون.. وقد استمر هذا الخير طوال المدة التي قضوها بعد مرحلة التعذيب، التي توقفت على أثر صدور الأحكام التي أملاها الطاغوت على المحاكم الصورية..

س: لو تفضلتم فحدثتمونا عن أعمق الرجال تأثيراً في تكوينكم الفكري والروحي..

ج: لا أعلم ـ بعد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله ـ وخلفائه الراشدين ثم بعد شيوخ أسرتي ـ أحداً أعمق أثراً في تفكيري وتصوري الإسلامي من ثلاثة رجال.

أما أحدهم فهو الإمام حسن البنا تغمده الله برحمته، وقد سبقت الإشارة إلى بعض أثره في رؤيتي الفكرية والروحية، ويأتي بعده خليفته الأول الأستاذ حسن الهضيبي ذو الشخصية الصلبة الباهرة والنظرة العميقة، والإخلاص الذي جعله خير عوض عن الفقيد الشهيد، ثم نائبه المفكر العالم الدكتور عبد القادر عودة الذي أسلفت الإشارة إلى أثره الفكري في انتزاعي من التردد بين الأزهر والإخوان..

وإذا كان الإنسان ابن بيئته حقاً فلا عجب أن تمنح هذه البيئة فضيلة الشيخ كل الزاد الروحي والعقلي الذي جعل منه ذلك البطل المنافح الذي نهض بعبء الواجب بعد أن ناءت بحمله كواهل العلماء، الذين أسكتهم الرعب وحب الدنيا عن الصدع بكلمة الحق.. ورحم الله شوقي لقوله:

رتب الشجاعة في الرجال قليلة وأجلهن شجاعة الآراء
وقد بقي من السؤال ما يتعلق بالأعمال التي وليها حتى الآن زيادة على ما سبق ذكره منها..

قال الشيخ: لقد استغرقني عملي في التدريس ما بين العامين 1955، 1972، ثم نقلت كما قدمت إلى مكتب شيخ الأزهر لأكون مديراً له مدة عشرة أشهر، أيام كان الإمام الأكبر هو الدكتور محمد محمد الفحام، وقد أتاح لي ذلك العمل فرصة الاطلاع على العجائب. لقد كنت ألوم الأزهر وأتهمه بالسلبية والصمت إلى أن واجهت واقعه المذهل بنفسي، وهو أن الأزهر لا يحظى شيء من عمله بالنشر إلا ما يطلب منه، أما ما يمثل راية الحق وما يتفاعل به داخله فلا سبيل له إلى النور.. وكذلك اكتشفت أن رجاله ليسوا سواء، لأن منهم المجاهدين بحق ومنهم دون ذلك السلبيون الذين يعدون أياماً ليقبضوا راتباً...

وأنا الآن باحث فني في مجمع البحوث الإسلامية، وعضو في مجلس الشعب...

والحوار مع مثل الشيخ لا ينبغي أن يغفل جانب العمل السياسي بنظر الوسط الخاص بعلماء الإسلام، فالدعاية الشيطانية التي حملها بعض أذناب الغرب في هذا الصدد تحاول عزلهم عن ميدان الحكم، ليخلو الجو للجهلة الكبار، الذين لا يعرفون من غاية للسياسة إلا ترديد ما قرأوه وما سمعوه من أفكار التلموديين والصلبيين، وما يملى عليهم من وراء الستار، مع الغفلة المطبقة عن حقائق الإسلام.

والشيخ حين يتحدث عن السياسة فحديث المجرب الذي اكتوى بنارها، وعارك تقلباتها، واكتشف الخبئ من ألاعيبها، وبخاصة في ظل ذلك الكابوس الساداتي الذي لم يتورع عن استخدام كل الوسائل لخنق كل صوت حر داخل المجلس وخارجه حتى في بيوت الله ، التي أراد إخضاع منابرها لموحيات كامب ديفيد، وألزم كل تجمع يريد الاشتغال بالسياسة أن يقر اتفاقيته.. أولاً حتى كادت الساحة أن تخلو من المجاهرين بكلمة الحق. إلا بعض المغامرين من النواب، وفي مقدمتهم هذا الشيخ الذي كان وجوده بينهم فرصة مباركة لإطلاق كلمة الإسلام المظلوم، في كل مناسبة صلحت للتذكير بشريعة الله ، فكان شاهد الحق على المتنكرين لها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.

وما أحوجنا هذه الأيام إلى استعادة ذلك الماضي الرهيب الذي كان الباب الخلفي لكل الفواجع التي أعقبت اتفاقيتي كامب ديفيد، من غزو إسرائيل لبنان، إلى مذابح صبرا وشاتيلا، إلى المجزرة الكبرى التي ينزلها اليوم القتلة الأقربون في الشمال اللبناني، فتكتسح بلهيبها الآلاف من أولئك المساكين الذين شاء لهم الاستعمار والخيانة أن يتيهوا في الأرض لاجئين ومشردين.

س: ممارستكم للسياسة البرلمانية ظاهرة تكاد تكون جديدة في مصر بالنسبة إلى علماء الإسلام فكيف وجدتم هذه التجربة.. وهل من شأنها تشجيع العلماء على اقتحام هذه الحلبة ؟.

ج: اشتغال العلماء بالدعوة لا بد منه لتوعية الجماهير، ولكن أثره لا يمتد إلى صنع القوانين، التي نرجو لها أن تكون قوالب للشريعة الإسلامية، وهذه القوانين لا تصنع إلا في صميم السلطة التشريعية، وقد لا يرى معظم الناس ارتباط الرخاء بالإيمان وارتباط النعيم الأخروي بالإيمان، بل هناك من لا يرى ارتباط الإسلام بالحياة، ولذلك كان اعتقادي راسخاً أن على علماء الإسلام أن يقتحموا هذا الميدان.. أما كيف وجدت هذه التجربة، فإني أسوق ما يأتي على سبيل المثال:

أ ـ خضت المعركة الانتخابية في المرتين الأولى والثانية سنة 1976، 1979 تحت شعار " أعطني صوتك لنصلح الدنيا بالدين " وقلت لجماهير الناخبين: لو أن شيوخ الإسلام بعثوا من قبورهم، وانضموا إلى المعاصرين، وملأوا الدنيا خطابة ومناداة بتطبيق الشريعة الإسلامية، ما استطاعوا غير تعبئة الرأي العام، وللرأي العام قوته وأثره، ولكن لا سبيل إلى تغيير القوانين الوضعية لتكون شرعية إلا عن طريق مجلس الشعب، الذي له وحده سلطة التشريع، واستجاب الناخبون بما يشبه الإجماع المنقطع النظير وبحماسة متدفقة على الرغم من موقف السلطات التي كانت تستهدف إسقاطي في الانتخابات بتخطيط ظالم.

ب ـ ودخلت مجلس الشعب، وقلت: " هذا من فضل ربي ليبلوني أأشكر أم أكفر " وكنت أتصور المجتمع المسلم بعد أن نص دستوره على قداسة الإسلام، واعترف أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع في مصر، فيكفي أن أتقدم بمشروعات القوانين الإسلامية، وأدعو المجلس إلى الموافقة عليها.. فتقدمت بمشروعات قوانين تغطي النواحي الجنائية والمدنية والاجتماعية والاقتصادية وإجراءات التقاضي، وأحيلت إلى اللجان المختصة، وألقيت بين يديها كلمات، قابلها المجلس بالاستحسان البالغ، وكان قد حدد لكل كلمة زمن لا تتعداه، ولكن المهندس سيد مرعي رئيس مجلس الشعب أعلن أن وقت الكلام قد انتهى، ففوجئ المجلس بهذا التنبيه، وقرر الأعضاء بالإجماع منحي الوقت اللازم استثناءً من القاعدة فكان هذا قرار مجلس وهو ثابت في المضابط ، واستبشرت خيراً، وقلت هذه فاتحة تبشر بتحقيق الأمل، جمعت بعدها ثلاثمائة وأربعين توقيعاً من أعضاء المجلس البالغ " 360 " وكان هؤلاء العشرون بين غائب ومسيحي وإن كنت قد بينت في كلمتي،أنه لا ضمان لحقوق غير المسلمين إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية تطبيقاً صحيحاً.

فماذا جرى بعد هذه المقدمات الرائعة ؟.

ج: لعبت الثورة في مصر بأجهزتها المختلفة دوراً خطيراً، جعل إرادة الأعضاء تابعة لإرادة القيادة الحزبية، ولو في هذه الأمور التي ترتبط بالإسلام، وسرعان ما تراجع هؤلاء الأعضاء عن التأييد باسم الالتزام الديني، ومع ذلك لم أيأس ومضيت في محاولاتي حتى قرر ما يقرب من ثلاثمائة عضو القيام بعمرة وزيارة في طريق عودتهم من الخرطوم للقاهرة في يناير 1979، بعد انتهاء أعمال المؤتمر المشترك لمجلسي الشعب المصري والسوداني، فانتهزت الفرصة وبايعتهم هناك وبايعوني في الحرمين الشريفين، على أن تكون أصواتهم لشرع الله ، لا يغلبهم على ذلك انتماء حزبي.. وتمت البيعة قاطعة واضحة، فما كان من الرئيس أنور السادات، بعد أن ظفر بموافقة هذا المجلس باستثناء خمسة عشر عضواً ـ كنت أحدهم ـ على اتفاقيتي كامب ديفيد، ما كان منه إلا أن أصدر قراراً بحل مجلس الشعب بعد استفتاء ملفق، وأسقط معظم هؤلاء الذين تعاهدنا معهم في الحرمين الشريفين.

د: لجأت إلى سياسة الاستجواب، وهو اتهام لا بد فيه من حشد الأدلة الدامغة لإلجام الخصم وتعرية موقفه أمام الرأي العام، وكان استجوابي لرئيس الوزراء عن تصريح السادات بألا سياسة في الدين ولا دين في السياسة. وقد حشدت في هذا الاستجواب البينات القاطعة على كمال السياسة الإسلامية وتفوقها على كل نظام في تأمين العدالة والوحدة والأمن لإصناف البشر على اختلاف معتقداتهم، وبلغت صفحاته العشرين، قدمته إلى رئيس مجلس الشعب ليدرجه في أعمال أقرب جلسة. غير أنه جبن عن مجرد تقديمه، فذهبت به إلى القصر الجمهوري حيث قدمته بنفسي إلى الدكتور زكريا البري ـ وزير الأوقاف آنذاك ـ ليبلغه إلى رئيس الجمهورية، وضمنته كذلك التنديد بقول السادات: إن قدوته مصطفى كمال أتاتورك.. ثم كان ما كان من تصادم مع الحزب الوطني والغالبية المؤيدة للحكومة بالحق والباطل.

وهناك استجواب آخر وجهته إلى جمال الناظر وزير الساحة والطيران المدني عن تقريره الخمر في المدرسة الفندقية التابعة لوزارته في بلد دينه الرسمي الإسلام، والشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.

وكان لي استجواب كذلك ذد عربدة الإعلام، ومن قبل كان لي استجواب ضد الأستاذ عبد المنعم الصاوي وزير الإعلام عن تصريحه في أمريكا بأن الشريعة الإسلامية لن تطبق في مصر.

وكان لي استجواب موجه إلى الدكتور عبد المنعم النمر عن تفريطه كوزير للأوقاف في استرداد نحو ثلاثة وسبعين ألف فدان، كانت البقية الباقية من أراضي الأوقاف المغتصبة من الأزهر والمساجد عام 1961 إبان التحول الاشتراكي، وقد قضى فيها القضاء بحكم نهائي وباتٍ بردها لوزارة الأوقاف سنة 1973، وفرط وزراء الأوقاف المتعاقبون في المطالبة بتنفيذ هذا الحكم.

وكان لي استجواب موجه إلى وزير العدل حين خالف المفتي الشيخ جاد الحق علي جاد الحق آنذاك قرار مجمع البحوث الإسلامية، الذي يقضي بأن ثبوت هلال رمضان في بلد يوجب على جميع البلاد الإسلامية المشتركة مع بلد الرؤية في جزء ولو يسيراً من الليل أن تصوم، وقد ثبت الهلال عاماً من الأعوام في العراق والكويت واليمن، فلم يعتمد المفتي هذا الثبوت.

وكذلك شهدت قبة مجلس الشعب معاركي ضد قانون السادات للأحوال الشخصية، وهي معارك خضتها ضد الثلاثة الكبار محمد عبد الرحمن بيصار شيخ الأزهر السابق، وجاد الحق علي جاد الحق مفتي مصر السابق، وعبد المنعم النمر وزير الأوقاف سنة 1979.. هذه الاستجوابات وغيرها من المواقف البرلمانية، كانت تحتاج إلى مستمعين يقدسون الإسلام، وإلى أعضاء يعرفون للقرآن حرمته وللسنة حجتها، ولا يغلبهم على انتمائهم للإسلام انتماؤهم الحزبي.. ولكنني لم أجد في مجلس الشعب إلا أعضاء يأتمرون بأمر الحكومة، ولا يأتمرون بأوامر الله ، ومن هنا أقرر أنه يجب على العلماء أن يرشحوا أنفسهم لعضوية مجلس الشعب باعبار أن الهيئة التشريعية هي المجال الدستوري الوحيد لتغيير القوانين، وإصلاح السلطة القضائية والتنفيذية، والحكم بما أنزل الله .

ولا بد أن أشير إلى أن سلطة الرقابة التي وضعها الدستور في يد عضو مجلس الشعب كفيلة بإصلاح الأداة الحاكمة، لو كانت هذه السلطة في يد عضو صالح. ولا أنسى أن استجوابي للأستاذ عبد المنعم الصاوي بسبب قولته في أمريكة: " لن تطبق الشريعة الإسلامية في مصر" كان سبباً في إخراجه من الوزارة اتقاء للحرج البالغ الذي كانت ستتعرض له الدولة لو نظر هذا الاستجواب، ومما هو جدير بالذكر أن الاستجواب يسقط إذا أخرج من الحكم الوزير المستجوب، كذلك أذكر أن المرحوم المستشار أحمد سميح طلعت الذي كان وزيراً للعدل، أنذرته في يناير 1977، بأنه إذا لم يقدم ما عند وزارة العدل من تشريعات إسلامية خلال خمسة أشهر، فإني سأستجوبه فلما استجوبته، أجرى تعديل وزاري لم يخرج بمقتضاه من الوزارة سوى وزير العدل ليسقط الاستجواب، وقد لقيني رحمه الله وأخبرني بالخلفيات التي وراء خروجه من الوزارة، وهي تدل على اتجاهات غير إسلامية، ولا مجال لتفصيل القول فيها الآن، وآخر ما أذكره من أمثلة ذلك، وقد سبقت بعض الإشارة إليه،
أن المعاهد الدينية الأزهرية كانت قد أهملت من قبل الدولة، وبدأت الشكوى من المعاهد الموجودة في دائرتي، وهي ثلاثون معهداً دينياً أزهرياً، منها خمسة تئن من الإهمال، فلما اتصلت بإدارة المعاهد الأزهرية علمت أن الإهمال قد انتظم مئتي معهد على مستوى الجمهورية المصرية، فأعلنت في جريدة " الأهالي " أنني سأقدم استجواباً لرئيس الوزراء الدكتور فؤاد محي الدين باعتباره الوزير الذي يسأل دستورياً عن الأزهر، إلى جانب وضعه كرئيس للوزراء، وما إن أعلن هذا الاستجواب في جريدة الأهالي يوم 19 / 10 / 1983 حتى نشرت الأهرام يوم 25 / 10 ما يفيد أن اللجنة الوزارية قد اتجهت إلى تحقيق الكثير من المطالب التي طالت مساعينا وراءها. وليس هذا التجاوب سوى الأثر الناطق بأثر الرقابة على الدولة. إذا استخدمها نائب حر لا يخشى في الله لومة لائم.

س: كان لمواقفكم المشرفة في قضية تحكيم الشريعة المطهرة رد فعل عميق في مختلف أنحاء العالم الإسلامي، فيرجى تزويد قراء هذا الكتاب بالمعلومات التالية حول الموضوع:

أـ هل تجدون لصوتكم في هذا الصدد صداه المنشود في أوساط المسئولين ؟

ب ـ هل تأملون أن يكون لهذا المطلب الشعبي العام استجابة في أوساط المسئولين ؟

ج ـ هل تعتقدون أن للسياسة الدولية علاقة بتأخير الاستجابة حتى اليوم ؟

د ـ هل تتوقعون أن يكون لخطوة السودان في هذا المجال تأثيرها الإيجابي في مصر ؟

ج: أ: قبل دخولي مجلس الشعب لم يكن هناك نص دستوري على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للقوانين، ولم تكن هناك لجان لتقنين الشريعة الإسلامية، وكان صوتي ينطلق في مجلس الشعب فيجد الصدى ولا يجد القرار، ثم تجمعت عوامل أدت إلى النص في المادة الثانية من الدستور أن الإسلام دين الدولة الرسمي، وهذا ليس بجديد، ولكن الجديد هو النص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع، وجزى الله الزملاء الذين أبلوا في هذا بلاء حسناً خير جزاء.

ولجنة تقنين الشريعة الإسلامية في مجلس الشعب على الرغم من كل ما صادفها من عقبات قد أنجزت عملها تماماً، بل وأتمت طباعته في التشريعات الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والجنائية، وفي التقاضي ولم يبق سوى التطبيق. وهذا يؤكد علينا ضرورة المضي في هذا الطريق، ويؤكد على العلماء ضرورة الإقدام لطلب عضوية مجلس الشعب لإرغام المسئولين على الاستجابة المنشودة.

ب ـ نعم آمل أن يكون لهذا المطلب الشعبي العام استجابة قريبة، ولن يموت حق وراءه مطالب والشعب كله يطالب، وإن كبتله قوانين الطوارئ للعام الثالث على التوالي، وإن حيل بين طلائعه والدعوة والجهاد، وإن زج بأبطاله في السجون والمعتقلات.. والظلام الكثيف يبدده النور الخفيف فكيف بالنور الوهاج، والله متم نوره ولو كره الكافرون.

ص: ج ـ لا شك أن عالمنا العربي والإسلامي، وقد مني بالاستعمار الزاحف عليه من الخارج بعد أن أصيب بالتمزق الذي بعثر صفوفه، وفرق كلمته داخل الدوائر العربية والإسلامية، قد أصبح في وضع دولي تبخرت منه العزة الإسلامية، لأن الذين ينسون الله ينسيهم الله أنفسهم، فالذين يدورون في فلك الغرب، والذين يدورون في فلك الشرق، إنما يدورون جميعاً في أفلاك قوى عالمية لم تتفق إلا على محاربة الإسلام، وهذا هو السر في تأخير الاستجابة حتى اليوم للمطلب الشعبي على مستوى العالم الإسلامي المتمثل في تطبيق الشريعة الإسلامية.. و [إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم].

د ـ خطوة السودان في مجال تطبيق الشريعة الإسلامية لها تأثيرها الإيجابي في شعب مصر، ومصر بلد الأزهر، ولولا التعتيم الإعلامي الكثيف على اتجاه السودان نحو تطبيق الشريعة الإسلامية لوجدنا الأثر فعالاً، ولكن هناك قوانين الطوارئ. والقوانين المقيدة للدعوة في المساجد، والمباحث والمخابرات وتثاقل المسئولين و.. [عسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين]

س: يلاحظ أن بادرة السودان بالنسبة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية تكاد تكون مقصورة على السلبيات إذ تقوم على منع المخالفات لروح الإسلام ومعاقبة مقترفيها، ولم تتعرض للنواحي الإيجابية التي من شأنها تقديم الحلول الحاسمة لمشكلات المجتمع في نطاق الاقتصاد والتعليم والعدالة الاجتماعية وما إلى ذلك، فما رأيكم في هذا ؟ وما توقعاتكم بشأنه ؟.

ج: الحكم على الشيء فرع من تصوره، والمبادرة السودانية بالنسبة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية لم تتضح ملامحها عندي، ولكنني أقول إن إذعان الشعب والدولة لله يجب أن يكون متكاملاً، وأعتقد أنه سينمو وسيتكامل ما دامت روح الإيمان والإذعان مهيمنة، وهذا هو العنصر الذي انفصل عن التصديق، فقد كان الكفار يعرفون صدق الرسول كما يعرفون أبناءهم، ولكنهم مع التصديق القلبي كانوا يكتمون الحق ويجحدون بآيات الله ، فإذا وجد الإذعان والانقياد لرب العالمين، فإن المستقبل كله خير بإذن الله ، وما أروع قول الشاعر:

إن الهلال إذا رأيت نموه أيقنت أنه سيصير بدراً كاملاً
م: التمزق الذي ينتاب العرب هذه الأيام قد بلغ أشده بالمحن الضخمة التي زلزلت كيانهم وأطمعت بهم أعدائهم، فما السبيل إلى إصلاح هذه الكوارث ؟.

ص: لا بد من وضع خطة تشارك فيها جميع القوى وتتكاتف بدءاً من منبر المسجد إلى ميكروفون الإذاعة إلى شاشة التلفزيون، إلى الكلمة المكتوبة في الجرائد اليومية، إلى الاتصالات النشيطة بين الحكام والدول. ولا بد أن يجري ذلك على نهج إسلامي بأمل لا يعرف اليأس، وهمة لا تعرف الملل والكلال، لا بد أن يعرف الناس أن الوحدة إيمان وأن الفرقة كفر، على حد تعبير القرآن الكريم في سورة " آل عمران " [يا أيها الذين أمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين] ـ أي بعد وحدتكم متفرقين ـ [وكيف تكفرون وأنتم تتلى عليكم آيات الله وفيكم رسوله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم] آل عمران 100 ، 101.

م: ما الكلمة التي توجهونها إلى الجيل الإسلامي الجديد ؟

ص: الكلام في هذا المضمار كثير، ولكنني أكتفي بقول ربي جل علاه [فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى، قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً ! قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ، وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ولعذاب الآخرة أشد وأبقى] سورة طه 123، 127.

وأطالب الجيل الإسلامي الجديد بالدراسة العميقة لدينه والاستيعاب الواعي لأحداث عصره، والفهم الكامل للتاريخ الإسلامي، كل ذلك سيوحي إن شاء بخطط الإصلاح للقلوب المؤمنة والأرواح الموقنة و [الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور].
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الشيخ صلاح أبو إسماعيل
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الشيخ صلاح أبو إسماعيل والد الأستاذ حازم صلاح
» ترجمة الشيخ صلاح أبو إسماعيل
» الشيخ صلاح أبو إسماعيل الجزء الثاني من استدراج الظالمين
» كلمة نادرة للشيخ المجاهد صلاح ابو اسماعيل
» الخروج من القبر .....الشيخ صلاح ابو اسماعيل

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
https://ashraf-attar.ahlamontada.net :: عــــــــــــــــلماء الامــــــــــه :: الشيخ :صلاح ابو اسماعيل-
انتقل الى: